شهادات – محمد الفكي حسين

تأثيرُ اللون

محمد الفكي حسين

تتعلَّق دافعيَّة عصام عبد الحفيظ كفنان غرافيك ورسَّام، مُلوِّن ومصوّر فوتوغرافي، بهموم البحث عن صيغةٍ تعبيريةٍ تجريديَّة تُلائِم مشروعه؛ فالتلوين بقَدْرٍ يُعبِّر عن أفكاره وانفعالاته، وتُشكِّلُ البيئة الطبيعية وإرثه الثقافي والتاريخي مصادرَ أساسية يستوحي منها موضوعاته، إنها بالتحديد بيئةٌ تَمتَدُّ على طول حوضِ النيل في اتجاهه شمالاً، وما حوله من صحراءٍ وسماءٍ كاشفةٍ تتداخلُ المرئيات والظلال فيها كأشباحٍ لها أبعادٌ أخرى، في الحكايات الشعبية والأساطير والتاريخ.
يقول الأستاذ عصام عبد الحفيظ إنه وُلد في إحدى قرى شمال السودان (الزومة)، ورحل عنها وهو طفلٌ صغير غير مُدرك، ورغم ذلك تشكَّلت علاقته العاطفية بها من خلال زياراته الحبيبة إلى نفسه في مراحل الصبا الأولى من حياتِه. وظلَّت تلك البيئة، بكل مرئياتها، تنعكسُ كذكرياتٍ وكأشكالٍ وخيالات، فالقرية، أو تلك البيئة، ليست كائنات طبيعية – إنها حلمٌ ورؤى، ويَصدُق قوله ذلك حينما نشاهد لوحاته، إذ أن الأشياء والشخوص تبدو في فضاء اللوحة متداخلة الحدود، غير بيَّنة المعالم، غير بعض الألوان المُنَبِّهة إلى بعض الأشكال؛ كالنوافذ والأبواب أو بعض العناصر الزخرفية. فالظلال لا نعرفها إلا من خلال استلقائِها الأفقي، عَكَسَتها الشخوص التي تنعكسُ منها الظلال أو الضوء، فإنها تتداخل في امتداد الصحراء والمساء، وتتلاشى في تلاشي الخيالات، إلا من نخلات تشمخُ مُنبِّهةً إلى وجود بعض المرئيات حولها. إن من لا يملك القدرة على التأمل وقراءة عناصر اللوحة عند عصام يفقد جانباً مهماً في الاستمتاع بها وتذوّقها. العناصر البيئية من أشكالٍ وألوان، التي يأخذها من تراث المنطقة، هي أساس المقوِّمات الحسيَّة المعقولة والمُدرِكة والمرئية، وتُعطِي اللوحة قيمتها الجمالية.
لعصام عبد الحفيظ المقدرة الإبداعية الواعية لإبراز قوَّة انفعالاته وعنفها؛ مَقدِرَةٌ تتميَّز بدقته في الوصول إلى المعاني التي يريد إبرازها، وربما لمرجعيته التاريخية وتشبّعه بتراث البيئة المحكي يعطيها تلك الأبعاد الإيحائية؛ فالنيل وما حوله من آثارٍ نوبيةٍ سودانية وما يطوف حولها من نسيج الخيال، وأبعاد الأسطورة والحكايات الشعبية، يتعامل معها عصام بالكاميرا؛ يُعمل ذهنه وإحساسه بأبعادها التاريخية وبإحساسه بها كرسام مُلَوِّن يعرف كيف يعطي اللقطة دلالات رمزيَّة، تحسُّ أنه يفكِّر بوعيٍ كبير، بقيمتها كعناصر في صياغة اللوحة.
ومن هنا يجيء (تأثير) اللون في أعماله، كصفةٍ غالبةٍ موائمة لموضوع اللوحة تَتَرَدَّد بتلقائيَّة في كل أعماله، وهي بتلك الصفة تتمرَّد على اعتيادية السرد المُبَسَّط للرؤى والنقل الحرفي للمُدرَكات والمعقولات، كحالةٍ طبيعية لقدرته كمبدع لتصحيح طبيعةٍ غالبةٍ في أعماله. بيوتُ القرية المبنيَّة من الطين وما حولها من مرئيات حول النيل، والألوان والتربة والسماء المكشوفة، حقائق لا تنفصل عن المُتَخَيَّل والمحكي في البيئة والناتج منها.

محمد الفكي حسين
الخرطوم، السودان في 16/ 11/ 2000

مصمم غرافيكي، ناقد وباحث تشكيلي/ مقيم بالسودان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top